أما آنت ساعة التغيير؟

karimakov:

                                                                                                      حقائق معاشه   

جلست مع طلبة دكتوراه تونسيين كانوا مشاركين في ملتقى دولي كنا قد نظمناه في جامعتنا، ونحن نتحدث معهم أباحوا لنا أنهم هم من كانوا يحّكمون المقالات التي كنا نبعثها إلى أستاذتهم فكانت تبعثها بدورها إليهم. وكم كان اندهاشهم من مستوى المقالات التي كانت تصلهم.

ذهب أحد الأساتذة إلى فرنسا في إطار التربصات طويلة الأمد. وهو يعرض إشكاليته وخطته ومستوى تقدمه في العمل، أندهش الأساتذة الحاضرين من مستوى العمل المقدم والمنهجية المتبعة وطلبوا منه إعادة كل العمل إذا رغب في الاستمرار معهم.

أستاذ آخر وهو يقدم عمله أمام أساتذة في فرنسا وكان من بينهم أستاذ تونسي فقال له هذا الأخير: هل تعلم أنكم في الجزائر تعملون بنفس الطريقة التي كنا نعمل بها في تونس في سنوات الثمانينات.  

وهكذا، الأمثلة كثيرة وأنا اليوم إذا كنت أسردها لكم فلأنني أبتغي من وراء ذلك إلى أن نستدرك الأمر ونقوم بالتغيير فالعالم بأسره لا يعتمد الطرق والمناهج التي مازلنا مصرين على العمل بها في إعداد أطروحات الدكتوراه ورسائل الماستر والليسانس. فما الفرق بين المناهج التي نعمل بها والمناهج المعتمدة في جامعات العالم المتطور.

المنهجية المتبعة في إعداد الأطروحات والرسائل في كلية علوم الاقتصاد والتسيير بجامعة قسنطينة

تعتمد طريقتنا على تقسيم العمل إلى جزئين: جزء نظري وجزء تطبيقي.

في الجزء النظري يحاول الطالب تناول كل المفاهيم النظرية والدراسات السابقة الخاصة بموضوع البحث. وكثيرا ما يعاب على الأعمال المقدمة الحشو الكبير للمفاهيم لنخرج في الأخير على الموضوع، الاعتماد الكبير على الكتب بدل المقالات وهذا يجرنا إلى عدم التعرف على الإشكاليات الحقيقية المطروحة في المجال المدروس، والتراكم المعرفي الذي وصل إليه الباحثون، ومن ثمة عدم تناول الإشكاليات الصحيحة التي بإمكانها أن تضيف الشيء الجديد للحقل المعرفي، وبالتالي تفتح لنا المجال لمزيد من الأبحاث ونشر المقالات العلمية في المجلات الدولية. ما يعاب أيضا على الباحثين اعتمادهم في اعدادهم للإشكالية والفرضيات على الأسلوب الإنشائي من خلال قراءتهم البسيطة لبعض الكتب والأطروحات.

أما في الجزء التطبيقي فنجد أن أغلب الباحثين يعتمدون أكثر على الوصف بدل التحليل، وللتحليل أدواته ومناهجه يجب التحكم فيها كتحليل المعطيات واستعمال البرمجيات المعروفة، واعداد الاستبيانات والمقابلات وغيرها.      

الطريقة الحديثة في منهجية إعداد الأطروحات والرسائل والمذكرات

تعتمد الطرق الحديثة في تحديد الإشكالية والفرضيات على دراسة معمقة لما تم الوصول إليه من أبحاث ودراسات نجدها في مقالات علمية تكون في أغلبها باللغة الإنجليزية. وبعد مراجعة الادبيات يمكننا تحديد إشكاليات وفرضيات مازالت عالقة أو إعادة النظر في أخرى نرى أنها لم تدرس بالشكل الكافي أو الصحيح أو في سياق مختلف يمكنها أن تقدم نتائج جديدة. ولا تُكثر الطرق الحديثة في إعادة استنساخ كل ما كتب حول الموضوع بل تشير إلى الأمر بشكل مختصر مع وضع المراجع والهوامش إلى من يهمه الأمر للرجوع إلى التفاصيل. تحدد الطريقة المنهجية المتبعة وأدوات التحليل المناسبة، تحلل المعطيات بطرق رياضية معروفة وفي الأخير تعرض النتائج وتناقش على أساس الدراسات السابقة. تعتبر هذه الطريقة دقيقة وصارمة في تناول الموضوعات المدروسة. فهي تركز كل الجهود في سبيل معالجة إشكاليات حقيقية وإنتاج حقائق جديدة في حقل المعرفة بسرعة كبيرة وفعالية أكبر. في الأخير يكون العمل المقدم هو زبدة العمل الشخصي المقدم والإضافة العلمية التي وصل إليها الباحث دون حشو ودون تضييع لوقت قارئ البحث.

أسباب مقاومة التغيير

     طبعا لا يمكن القول إنني أنا الوحيد المدرك لهذا المشكل فهناك أساتذة وطلبة أذكى مني وضعوا في ظروف أحسن جعلتهم يدركون المشكلة ويعملون على تجاوزها، وفعلا تمكن البعض منهم بشكل أو بآخر على تقديم أعمال تستجيب إلى المعايير الدولية في اعداد الأطروحات والرسائل العلمية لكن التغيير وقف عندهم ولم يتمكنوا من نقل هذا التغيير إلى طلبتهم وزملائهم. هناك كذلك محاولات لنشر هذه الطرق في الكلية لكنها سرعان ما تبوء بالفشل، كان آخرها محاولة بعض أساتذة من قسم التجارة لتعميم استعمال المناهج العلمية الحديثة بين طلبة الماستر لكنها لم تلقى تجاوب الأساتذة معها، ربما الطريقة المنتهجة لم تكن صحيحة إلا أننا لا يمكن أن نحكم على المبادرة إلا بالعمل الصالح الذي لم يصل إلى أهدافه النبيلة. وأنا متأكد أن هناك مبادرات أخرى ومحاولات لأساتذة لكنها تبقى فردية ولن يكون لها الوقع والصدى المرغوب. بعد هذا التقديم نطرح السؤال التالي: لماذا لم تنجح هذه المحاولات؟ بالرغم من اتفاق الكثير من الأساتذة على أنها مطلب شرعي وضروري، واستمرار العمل بهذه الطريقة ستهمش الباحث عن المسار العلمي الدولي وتجعله ينطوي على نفسه ويفقد الثقة في النفس أمام الاعمال المقدمة من دول العالم. يمكننا عرض بعض هذه الأسباب، حسب رأينا، والمتمثلة في:

-      لم تنجح المحاولات السابقة لأنها لم تكن منظمة بالشكل الكافي، وفي رأيي أحسن طريقة للوصول إلى هذا التنظيم هو أن يتبناها المجلس العلمي دون إلزام أو اجبار الأساتذة على القيام بأعمال المعينة، بل يجب تبني الفكرة وترك الطريقة للأساتذة لتحويلها إلى خطوات عملية،

-      عدم إدراك بعض الأساتذة للمشكل المطروح وبالتالي فهم لا يروا ضرورة لتغيير أساليب ومناهج العمل،

-      حرج بعض الأساتذة بالاعتراف بالنقائص التي لديهم ومادام المشكل عام فالأفضل أن تبقى الأمور على ماهي عليه،  

-      الأساتذة الكبار في السن لا يريدون تغيير أساليب وطرق العمل التي عملوا بها لسنوات عديدة، ولا يروا ضرورة للتغيير ومن يرد أن يتغير فعليه فعل ذلك بعيدا عنهم،

-      بعض الأساتذة غارقين في أعمالهم ويواجهون ضغوطات كثيرة من العمل والاسرة فلا توجد لديهم لا الرغبة ولا الوقت في العمل بالطرق الجديدة،

-      صعوبة تطبيقها على طلبة لا يحسنون اللغات الأجنبية، ولا المناهج العلمية، ولا الأساليب الكمية،  

-      غياب كلي لهيئة علمية تهتم بتطوير المناهج العلمية والبيداغوجية للطلبة والوقوف على تعديلها متى تطلب الأمر ذلك دون وضع عقبات وعراقيل أمام مسارات الطلبة والأساتذة للوصول في الأخير إلى التغيير السلس والمنشود.

كيف نتجاوز مقاومة التغيير؟

يجب على الأساتذة والباحثين أولا إدراك هذه المشكلة، لأن الكثير منهم من يعتقد أنه في الطريق الصحيح ولا توجد مشاكل في طريقته أو منهجه العلمي فكما يقال معرفة الداء هو نصف الدواء. بعدها يجب العمل على تخفيض حدة أسباب مقاومة التغيير وذلك من خلال:  

-      تكثيف تعليم المنهجيات الحديثة من طرف أساتذة من جامعات كبيرة وإذا كانوا جزائريين يكون الأمر أحسن لأن الجزائري سيقدم دائما أحسن ما لديه،

-      تكثيف تعليم طرق تحليل المعطيات،

-      تكثيف تعليم برمجيات SPSS، Eviews، وكل البرمجيات التي تتطلبها المرحلة،

-      تكثيف تعليم اللغة الإنجليزية وطرق الكتابة العلمية بها،

-      تكثيف تعليم طرق إعداد المقالات العلمية الناحجة،

-      توفير التأطير والإشراف الجيد للباحثين وذلك بخلق فرق إشراف تكون متخصصة: فرقة الإشراف المنهجي لإعداد الإشكالية، والفرضيات، والمنهج المتبع، فرقة الإشراف المتخصصة في الأساليب الكمية والكيفية، فرقة الإشراف المتخصصة في استعمال برمجيات تحليل المعطيات، بالمقابل يصبح من حق كل أستاذ من هذه الفرق ساعد الباحث أن يظهر اسمه في المقالات العلمية المنشورة،

-      متابعة ومساندة الباحثين الذين هم بصدد اعداد الأطروحات والرسائل طوال السنة الدراسية وليس مرة في كل عام، ولتتولى المخابر هذه المهمة بالنسبة للباحثين المسجلين لديها.

الخطة الواجب تباعها

طبعا عندما نطلب التغيير، هذا لا يعني أن نتغير بين ليلة وضحاها وإنما نقوم بتغيير الأمر على مراحل قد تمتد إلى 5 سنوات وحسب فئات الطلبة والأساتذة. ويكون التغيير ملحا بالنسبة للطلبة الجدد الذين هم بصدد إعداد الرسائل والاطروحات ويعفى منها الطلبة الذين شارفوا على الانتهاء من أعمالهم. وتحدد لكل فئة من فئات ل م د اهداف يجب الوصول إليها في إعداد أبحاثهم تكون بسيطة في البداية وتزداد شيئا فشيئا مع مرور السنوات حتى نصل إلى الأهداف المسطرة. والأهم من كل هذا هو ان يعتمد المجلس العلمي خطة واضحة المعالم والأهداف وأن يسهر على تطبيقها بكل مرونة لأننا نغشى الصرامة التي يحبذها بعض الأساتذة في المجالس العلمية أو مجالس متابعة أعمال طلبة الدكتوراه والتي تأتي بعكس أهدافها.

     في الأخير أقول أن هذا انشغال كثيرا ما كان يراودني وأردت أن أقاسمكم إياه فإن رأيتم فيه الرأي السديد فبإمكانكم مجاراتي فيه وإن رأيتم أمرا آخر فقولوا أستاذ حالم لا يعرف ما يقول. فجامعة قسنطينة التي كانت السباقة في ادخال علوم وتخصصات إلى الجامعة الجزائرية، والتي كونت الكوادر التي تعمل في كثير من جامعات الشرق والوسط الجزائري لا يمكنها أن تتأخر عن مسيرة اكتساب العلوم الحديثة ومحاربة فيروس الرداءة والكسل الذي انتشر في كل مكان. ولا يمكنها أن تنتظر كثيرا فهناك جامعات أقل شأنا منا بدأت عملية التغيير مثل جامعة تلمسان، سيدي بلعباس، وغيرها ونحن مازلنا نتفرج وننتظر من يقوم بذلك في مكاننا.  قسنطينة الملقبة بمدينة العلم والعلماء لا يمكنها انتاج طلبة من الدرجات الضعيفة وإذا أصابها الركود في فترة من الفترات لا يمكنها الاستمرار في هذا، وعليها النهوض من جديد لتؤدي رسالة انتاج العلم والعلماء كما أدتها في فترة سابقة مع رواد نهضة الجزائر والأمة العربية والإسلامية: الشيخ عبد الحميد بن باديس والمفكر الفيلسوف مالك بن نبي.    

December 30th 2017

Créez un site Web gratuit avec Yola